كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وحسبنا مثل واحد مما يقع في بلد أوربي من أرقى بلاد العالم كله وهو السويد.
حيث يخص الفرد الواحد من الدخل القومي ما يساوي خمسمائة جنيه في العام. وحيث يستحق كل فرد نصيبه من التأمين الصحي وإعانات المرض التي تصرف نقداً والعلاج المجاني في المستشفيات. وحيث التعليم في جميع مراحله بالمجان، مع تقديم إعانات ملابس وقروض للطلبة المتفوقين وحيث تقدم الدولة حوالي ثلاثمائة جنيه إعانة زواج لتأثيث البيوت.. وحيث وحيث من ذلك الرخاء المادي والحضاري العجيب..
ولكن ماذا؟ ماذا وراء هذا الرخاء المادي والحضاري وخلو القلوب من الإيمان بالله؟
إنه شعب مهدد بالانقراض، فالنسل في تناقص مطرد بسبب فوضى الاختلاط! والطلاق بمعدل طلاق واحد لكل ست زيجات بسبب انطلاق النزوات وتبرج الفتن وحرية الاختلاط! والجيل الجديد ينحرف فيدمن على المسكرات والمخدرات؛ ليعوض خواء الروح من الإيمان وطمأنينة القلب بالعقيدة. والأمراض النفسية والعصبية والشذوذ بأنواعه تفترس عشرات الآلاف من النفوس والأرواح والأعصاب.. ثم الانتحار.. والحال كهذا في أمريكا.. والحال أشنع من هذا في روسيا..
إنها الشقوة النكدة المكتوبة على كل قلب يخلو من بشاشة الإيمان وطمأنينة العقيدة. فلا يذوق طعم السلم الذي يدعى المؤمنون ليدخلوا فيه كافة، ولينعموا فيه بالأمن والظل والراحة والقرار:
{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}..
ولما دعا الله الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة.. حذرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان. فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان. إما الدخول في السلم كافة، وإما اتباع خطوات الشيطان. إما هدى وأما ضلال. إما إسلام وإما جاهلية إما طريق الله وإما طريق الشيطان وإما هدى الله وإما غواية الشيطان.. وبمثل هذا الحسم ينبغي أن يدرك المسلم موقفه، فلا يتلجلج ولا يتردد ولا يتحير بين شتى السبل وشتى الاتجاهات.
إنه ليست هنالك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار واحداً منها، أو يخلط واحدا منها بواحد.. كلا! إنه من لا يدخل في السلم بكليته، ومن لا يسلم نفسه خالصة لقيادة الله وشريعته، ومن لا يتجرد من كل تصور آخر ومن كل منهج آخر ومن كل شرع آخر.. إن هذا في سبيل الشيطان، سائر على خطوات الشيطان..
ليس هنالك حل وسط، ولا منهج بين بين، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك! إنما هناك حق وباطل. هدى وضلال. إسلام وجاهلية. منهج الله أو غواية الشيطان. والله يدعو المؤمنين في الأولى إلى الدخول في السلم كافة؛ ويحذرهم في الثانية من اتباع خطوات الشيطان. ويستجيش ضمائرهم ومشاعرهم، ويستثير مخاوفهم بتذكيرهم بعداوة الشيطان لهم، تلك العداوة الواضحة البينة، التي لا ينساها إلا غافل. والغفلة لا تكون مع الإيمان.
ثم يخوفهم عاقبة الزلل بعد البيان:
{فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}.
وتذكيرهم بأن الله {عزيز} يحمل التلويح بالقوة والقدرة والغلبة، وأنهم يتعرضون لقوة الله حين يخالفون عن توجيهه.. وتذكيرهم بأنه {حكيم}. فيه إيحاء بأن ما اختاره لهم هو الخير، وما نهاهم عنه هو الشر، وأنهم يتعرضون للخسارة حين لا يتبعون أمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه.. فالتعقيب بشطريه يحمل معنى التهديد والتحذير في هذا المقام..
بعد ذلك يتخذ السياق أسلوباً جديداً في التحذير من عاقبة الانحراف عن الدخول في السلم واتباع خطوات الشيطان. فيتحدث بصيغة الغيبة بدلاً من صيغة الخطاب:
{هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور}..
وهو سؤال استنكاري عن علة انتظار المترددين المتلكئين الذين لا يدخلون في السلم كافة. ما الذي يقعد بهم عن الاستجابة؟ ماذا ينتظرون؟ وماذا يرتقبون؟ تراهم سيظلون هكذا في موقفهم حتى يأتيهم الله- سبحانه- في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة؟ وبتعبير آخر: هل ينتظرون ويتلكأون حتى يأتيهم اليوم الرعيب الموعود، الذي قال الله سبحانه: إنه سيأتي فيه في ظلل من الغمام، ويأتي الملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً؟
وفجأة- وبينما نحن أمام السؤال الاستنكاري الذي يحمل طابع التهديد الرعيب- نجد أن اليوم قد جاء، وأن كل شيء قد انتهى، وأن القوم أمام المفاجأة التي كان يلوح لهم بها ويخوفهم إياها:
{وقضي الأمر}..
وطوي الزمان، وأفلتت الفرصة، وعزت النجاة، ووقفوا وجهاً لوجه أمام الله؛ الذي ترجع إليه وحده الأمور:
{وإلى الله ترجع الأمور}..
إنها طريقة القرآن العجيبة، التي تفرده وتميزه من سائر القول. الطريقة التي تحيي المشهد وتستحضره في التو واللحظة، وتقف القلوب إزاءه وقفة من يرى ويسمع ويعاني ما فيه!
فإلى متى يتخلف المتخلفون عن الدخول في السلم؛ وهذا الفزع الأكبر ينتظرهم؟ بل هذا الفزع الأكبر يدهمهم! والسلم منهم قريب. السلم في الدنيا والسلم في الآخرة يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً. يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً. يوم يقضي الأمر.. وقد قضي الأمر! {وإلى الله ترجع الأمور}..
هنا يلتفت السياق لفتة أخرى. فيخاطب النبي صلى الله عليه وسلم يكلفه أن يسأل بني إسرائيل- وهم نموذج التلكؤ في الاستجابة كما وصفتهم هذه السورة من قبل-: كم آتاهم الله من آية بينة ثم لم يستجيبوا! وكيف بدلوا نعمة الله، نعمة الإيمان والسلم، من بعد ما جاءتهم:
{سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب}..
والعودة هنا إلى بني إسرائيل عودة طبيعية، فهنا تحذير من موقف بنو إسرائيل فيه أصلاء! موقف التلكؤ دون الاستجابة؛ وموقف النشوز وعدم الدخول في السلم كافة؛ وموقف التعنت وسؤال الخوارق، ثم الاستمرار في العناد والجحود.
وهذه هي مزالق الطريق التي يحذر الله الجماعة المسلمة منها، كي تنجو من عاقبة بني إسرائيل المنكودة.
{سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة}..
والسؤال هنا قد لا يكون مقصوراً على حقيقته. إنما هو أسلوب من أساليب البيان، للتذكير بكثرة الآيات التي آتاها الله بني إسرائيل، والخوارق التي أجراها لهم.. إما بسؤال منهم وتعنت، وإما ابتداء من عند الله لحكمة حاضرة.. ثم ما كان منهم- على الرغم من كثرة الخوارق- من تردد وتلكؤ وتعنت ونكوص عن السلم الذي يظلل كنف الإيمان.
ثم يجيء التعقيب عاماً:
{ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب}..
ونعمة الله المشار إليها هنا هي نعمة السلم. أو نعمة الإيمان. فهما مترادفان. والتحذير من تبديلها يجد مصداقه أولاً في حال بني إسرائيل، وحرمانهم من السلم والطمأنينة والاستقرار، منذ أن بدلوا نعمة الله، وأبوا الطاعة الراضية، والاستسلام لتوجيه الله. وكانوا دائماً في موقف الشاك المتردد، الذي يظل يطلب الدليل من الخارقة في كل خطوة وكل حركة؛ ثم لا يؤمن بالمعجزة، ولا يطمئن لنور الله وهداه، والتهديد بشدة عقاب الله يجد مصداقه أولاً في حال بني إسرائيل، ويجد مصداقه أخيراً فيما ينتظر المبدلين للنعمة المتبطرين عليها في كل زمان.
وما بدلت البشرية هذه النعمة إلا أصابها العقاب الشديد في حياتها على الأرض قبل عقاب الآخرة. وها هي ذي البشرية المنكودة الطالع في أنحاء الأرض كلها تعاني العقاب الشديد؛ وتجد الشقوة النكدة؛ وتعاني القلق والحيرة؛ ويأكل بعضها بعضاً؛ ويأكل الفرد منها نفسه وأعصابه، ويطاردها وتطارده بالأشباح المطلقة، وبالخواء القاتل الذي يحاول المتحضرون أن يملأوه تارة بالمسكرات والمخدرات، وتارة بالحركات الحائرة التي يخيل إليك معها أنهم هاربون تطاردهم الأشباح!
ونظرة إلى صورهم في الأوضاع العجيبة المتكلفة التي يظهرون بها: من مائلة برأسها، إلى كاشفة عن صدرها، إلى رافعة ذيلها، إلى مبتدعة قبعة غريبة على هيئة حيوان! إلى واضع رباط عنق رسم عليه تيتل أو فيل! إلى لابس قميص تربعت عليه صورة أسد أو دب!
ونظرة إلى رقصاتهم المجنونة، وأغانيهم المحمومة، وأوضاعهم المتكلفة وأزيائهم الصارخة في بعض الحفلات والمناسبات؛ ومحاولة لفت النظر بالشذوذ الصارخ، أو ترضية المزاج بالتميز الفاضح..
ونظرة إلى التنقل السريع المحموم بين الأهواء والأزواج والصداقات والأزياء بين فصل وفصل، لا بل بين الصباح والمساء!
كل أولئك يكشف عن الحيرة القاتلة التي لا طمأنينة فيها ولا سلام. ويكشف عن حالة الملل الجاثم التي يفرون منها، وعن حالة الهروب من أنفسهم الخاوية وأرواحهم الموحشة، كالذي تطارده الجنة والأشباح.
وإن هو إلا عقاب الله، لمن يحيد عن منهجه، ولا يستمع لدعوته: {يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة}..
وإن الإيمان الواثق لنعمة الله على عباده، لا يبدلها مبدل حتى يحيق به ذلك العقاب.. والعياذ بالله..
وفي ظل هذا التحذير من التلكؤ في الاستجابة، والتبديل بعد النعمة، يذكر حال الذين كفروا وحال الذين آمنوا؛ ويكشف عن الفرق بين ميزان الذين كفروا وميزان الذين آمنوا للقيم والأحوال والأشخاص:
{زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب}..
لقد زينت للذين كفروا هذه الحياة الدنيا؛ بأعراضها الزهيدة، واهتماماتها الصغيرة. زينت لهم فوقفوا عندها لا يتجاوزونها؛ ولا يمدون بأبصارهم إلى شيء وراءها؛ ولا يعرفون قيماً أخرى غير قيمها. والذي يقف عند حدود هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن يسمو تصوره إلى تلك الاهتمامات الرفيعة التي يحفل بها المؤمن، ويمد إليها بصره في آفاقها البعيدة.. إن المؤمن قد يحتقر أعراض الحياة كلها؛ لا لأنه أصغر منها همة أو أضعف منها طاقة، ولا لأنه سلبي لا ينمي الحياة ولا يرقيها.. ولكن لأنه ينظر إليها من عل- مع قيامه بالخلافة فيها، وإنشائه للعمران والحضارة، وعنايته بالنماء والإكثار- فينشد من حياته ما هو أكبر من هذه الأعراض وأغلى. ينشد منها أن يقر في الأرض منهجاً، وأن يقود البشرية إلى ما هو أرفع وأكمل، وأن يركز راية الله فوق هامات الأرض والناس، ليتطلع إليها البشر في مكانها الرفيع، وليمدوا بأبصارهم وراء الواقع الزهيد المحدود، الذي يحيا له من لم يهبه الإيمان رفعة الهدف، وضخامة الاهتمام، وشمول النظرة.
وينظر الصغار الغارقون في وحل الأرض، المستعبدون لأهداف الأرض.. ينظرون للذين آمنوا، فيرونهم يتركون لهم وحلهم وسفسافهم، ومتاعهم الزهيد؛ ليحاولوا آمالاً كباراً لا تخصهم وحدهم، ولكن تخص البشرية كلها؛ ولا تتعلق بأشخاصهم إنما تتعلق بعقيدتهم؛ ويرونهم يعانون فيها المشقات؛ ويقاسون فيها المتاعب؛ ويحرمون أنفسهم اللذائذ التي يعدها الصغار خلاصة الحياة وأعلى أهدافها المرموقة.. ينظر الصغار المطموسون إلى الذين آمنوا- في هذه الحال- فلا يدركون سر اهتماماتهم العليا. عندئذ يسخرون منهم. يسخرون من حالهم، ويسخرون من تصوراتهم، ويسخرون من طريقهم الذي يسيرون فيه!
{زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا...}..
ولكن هذا الميزان الذي يزن الكافرون به القيم ليس هو الميزان.. إنه ميزان الأرض. ميزان الكفر. ميزان الجاهلية.. أما الميزان الحق فهو في يد الله سبحانه. والله يبلغ الذين آمنوا حقيقة وزنهم في ميزانه:
{والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}..
هذا هو ميزان الحق في يد الله. فليعلم الذين آمنوا قيمتهم الحقيقية في هذا الميزان. وليمضوا في طريقهم لا يحفلون سفاهة السفهاء، وسخرية الساخرين، وقيم الكافرين.
إنهم فوقهم يوم القيامة. فوقهم عند الحساب الختامي الأخير. فوقهم في حقيقة الأمر بشهادة الله أحكم الحاكمين.
والله يدخر لهم ما هو خير، وما هو أوسع من الرزق. يهبهم إياه حيث يختار؛ في الدنيا أو في الآخرة، أو في الدارين وفق ما يرى أنه لهم خير:
{والله يرزق من يشاء بغير حساب}..
وهو المانح الوهاب يمنح من يشاء، ويفيض على من يشاء لا خازن لعطائه ولا بوّاب! وهو قد يعطي الكافرين زينة الحياة الدنيا لحكمة منه، وليس لهم فيما أعطوا فضل. وهو يعطي المختارين من عباده ما يشاء في الدنيا أو في الآخرة.. فالعطاء كله من عنده. واختياره للأخيار هو الأبقى والأعلى..
وستظل الحياة أبداَ تعرف هذين النموذجين من الناس.. تعرف المؤمنين الذين يتلقون قيمهم وموازينهم وتصوراتهم من يد الله؛ فيرفعهم هذا التلقي عن سفساف الحياة وأعراض الأرض، واهتمامات الصغار؛ وبذلك يحققون إنسانيتهم؛ ويصبحون سادة للحياة، لا عبيداً للحياة.. كما تعرف الحياة ذلك الصنف الآخر: الذين زينت لهم الحياة الدنيا، واستعبدتهم أعراضها وقيمها؛ وشدتهم ضروراتهم وأوهاقهم إلى الطين فلصقوا به لا يرتفعون!
وسيظل المؤمنون ينظرون من عل إلى أولئك الهابطين؛ مهما أوتوا من المتاع والأعراض. على حين يعتقد الهابطون أنهم هم الموهوبون، وأن المؤمنين هم المحرومون؛ فيشفقون عليهم تارة ويسخرون منهم تارة. وهم أحق بالرثاء والإشفاق..
وعلى ذكر الموازين والقيم؛ وظن الذين كفروا بالذين آمنوا؛ وحقيقة مكان هؤلاء ووزنهم عند الله.. ينتقل السياق إلى قصة الاختلاف بين الناس في التصورات والعقائد، والموازين والقيم؛ وينتهي بتقرير الأصل الذي ينبغي أن يرجع إليه المختلفون؛ وإلى الميزان الأخير الذي يحكم فيما هم فيه مختلفون:
{كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}..
هذه هي القصة.. كان الناس أمة واحدة. على نهج واحد، وتصور واحد. وقد تكون هذه إشارة إلى حالة المجموعة البشرية الأولى الصغيرة من أسرة آدم وحواء وذراريهم، قبل اختلاف التصورات والاعتقادات. فالقرآن يقرر أن الناس من أصل واحد. وهم أبناء الأسرة الأولى: أسرة آدم وحواء. وقد شاء الله أن يجعل البشر جميعاً نتاج أسرة واحدة صغيرة، ليقرر مبدأ الأسرة في حياتهم، وليجعلها هي اللبنة الأولى. وقد غبر عليهم عهد كانوا فيه في مستوى واحد واتجاه واحد وتصور واحد في نطاق الأسرة الأولى. حتى نمت وتعددت وكثر أفرادها، وتفرقوا في المكان، وتطورت معايشهم؛ وبرزت فيهم الاستعدادات المكنونة المختلفة، التي فطرهم الله عليها لحكمة يعلمها، ويعلم ما وراءها من خير للحياة في التنوع في الاستعدادات والطاقات والاتجاهات.